--------------------------------------------------------------------------------
من حين لآخر، وتبعا للظروف السياسية الراهنة، تتجدد الدعوة لمقاطعة السلع الأمريكية، من أدوات تجميل وأغذية وأجهزة كهربائية وحفاضات وفوط نسائية، وتظل الأدوية خارج هذه اللعبة لأنها سلعة إجبارية يكتبها للمريض الطبيب، الذى يتأثر بدعاية هائلة تمارسها هذه الشركات.. وفى هذه الفترات تنشط الشركات صاحبة العلامات التجارية المصرية لترويج سلعها مستفيدة من إقبال الناس على المقاطعة، التى.. وبرغم وجاهة أسبابها، وأهميتها في المواجهة الحضارية بيننا وبين الغرب.. تطول شركات مصرية أخرى تقوم بتصنيع المنتجات الأمريكية بتراخيص، ويعمل بها عمال مصريون. عندئذ تتحرك مبيعات الماركات المصرية مسجلة ارتفاعا سريعا بينما تهبط مؤشرات الماركات الأخرى
*******
لكن هذا الأمر لا يستمر طويلا، إذ لا تلبث الماركات المصرية أن تنخفض مبيعاتها رويدا رويدا، حتى تصل لمستواها الطبيعى نتيجة لسببين أساسيين: الأول هو أن المصريين سريعو النسيان، كما أنهم غير ميالين للتغيير، ولا يحبون تبديل الأصناف التى تعودوا عليها. الثانى هو فرق الجودة الواضح بين الماركات المصرية ومثيلاتها الأجنبية؛ فالزبون إذا اشترى السلعة بدافع وطنى مرة، فلن يشتريها بنفس الدافع مرة أخرى. الزبون دائما يبحث عن مصلحته وراحته فقط
لذا فلن يتدعم اقتصادنا، ولن تنتشر سلعنا إلا بتحسين جودة السلع المصرية. ولن تتحسن جودة السلع المصرية إلا إذا خصصت الشركات جزءا من ميزانياتها لأقسام الأبحاث والتطوير
Research and Development
فهل يعقل أن كل.. أو فلنقل معظم.. الشركات المصرية ليس لديها أقسام للأبحاث والتطوير؟
حتى شركات الأدوية التى يعتبر هذا القسم من الأقسام الرئيسية به، لا نجده إلا عند شركة أو اثنتين، اخترعت إحداهما دواءا جديدا منذ عدة أعوام صاحبته ضجة هائلة من الإعلانات ثم استكفت ولم نسمع عنها شيئا بعدها. أما شركات الدواء الأجنبية فتحتفظ بأقسام الأبحاث فى بلادها ولا تنقل إلينا شيئا منها في فروعها هنا
*******
كما أن تصدير التكنولوجيا المتقدمة إلينا محظور طبقا للمعاهدة التى وقعت عليها الدول الأعضاء فى حزب شمال الأطلنطى، واسمها: معاهدة حظر تصدير التكنولوجيا المتقدمة.. ولهذا فإن أجهزة الجيل الثانى والثالث من البلاى ستيشن.. جهاز الألعاب الشهير الذى تنتجه سونى.. لا يصدر إلينا إلا بعد إزالة الدائرة الإلكترونية المسئولة عن تنفيذ الصور ثلاثية الأبعاد، فاللعبة التى نشتريها هنا.. بسعر أعلى بكثير من سعرها فى بلادها مع ملاحظة الفارق الاقتصادي - لا تصل قدراتها إلى ربع قدرات اللعبة المباعة فى أوروبا وأمريكا واليابان
كانت شركات الأدوية المصرية منذ ما قبل التأميم تقوم باستخلاص الخلين من الخلة البلدى، والهيوسين من السكران المصرى، والسنوسويدز من السنامكى وتصدرها للخارج. اليوم تقوم الشركات باستيراد خلاصة الشمر والينسون من شرق آسيا وتعبئها في زجاجات للكحة، سعر الزجاجة تسعة جنيهات فهل هذا يعقل؟
*******
إن لدينا عقولا عبقرية فى كل المجالات تجلس فى بيوتها لا تصنع شيئا بينما العالم كله من حولنا يلهث وراء البحث العلمى. وانظروا ماذا تفعل العقول المصرية عندما تجد فرصتها فى الخارج.. أحمد زويل ومجدى يعقوب مثلا وآلاف آخرين
لن يتقدم هذا البلد إلا إذا تخلصنا من عقلية الاستيراد والسعي وراء الربح السريع، ولو عرف المستوردون كم يربح المصنعون وأصحاب الاختراعات لأغلقوا شركاتهم وبدءوا فورا فى بناء المصانع
*******